لعقود طويلة، مثّلت شركة توشيبا رمزًا للقوة الصناعية اليابانية وطموحها التكنولوجي. تأسست الشركة عام 1875، ثم اكتملت رسميًا باندماج عام 1939، وقادت مسيرة ريادية في منتجات متنوعة، من الترانزستورات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة إلى ذاكرة الفلاش وأنظمة الطاقة النووية.
لكن في أقل من عقد من الزمان، انهارت شركة كانت تُعتبر في يوم من الأيام عصية على التغيير، واختفت من الأسواق العامة بعد أربعة وسبعين عامًا من إدراجها في البورصة.
لم يكن انهيار توشيبا وليد صدمة واحدة، بل كان نتيجة تراكمية لإخفاقات إدارية، وأخطاء مالية، وعجز عن التكيف مع سوق عالمية سريعة التغير.
فضائح محاسبية وتآكل الثقة
كانت نقطة التحول عام 2015، عندما اعترفت توشيبا بتضخيم أرباحها بنحو 1.59 مليار دولار على مدى سبع سنوات. كشفت التحقيقات عن مخالفات محاسبية منهجية في عدة أقسام، مدفوعة بضغوط شديدة من الإدارة العليا لتحقيق أهداف ربحية غير واقعية.
أجبرت الفضيحة كبار المسؤولين التنفيذيين على الاستقالة، بمن فيهم الرئيس التنفيذي، وأدت إلى تحقيقات تنظيمية ودعاوى قضائية وغرامات.
كشفت تحقيقات لاحقة عن مشاكل هيكلية أعمق: ضعف الضوابط الداخلية، وثقافة الطاعة العمياء للرؤساء، وممارسات حوكمة فشلت في حماية المساهمين. وفي عام 2021، خلص تحقيق مستقل إلى أن توشيبا تواطأت مع وزارة التجارة اليابانية لكبح نفوذ المستثمرين الأجانب، مما أضر بمصداقيتها في أسواق رأس المال العالمية.
أخطاء استراتيجية وخسائر متراكمة
تفاقمت الأزمة المالية لشركة توشيبا بسبب سلسلة من القرارات الاستراتيجية المكلفة. وكان أكثرها ضرراً استحواذها على شركة وستنجهاوس إلكتريك عام 2006، والذي غرق لاحقاً في التأخيرات وتجاوزات التكاليف والتقاضي. عندما أعلنت شركة وستنجهاوس إفلاسها عام 2017، واجهت توشيبا ديونًا تجاوزت 6 مليارات دولار، مما أدى فعليًا إلى شلّ أعمالها في مجال الطاقة النووية.
في الوقت نفسه، كافحت توشيبا لمواكبة المنافسة المتزايدة من منافسيها العالميين مثل آبل وسامسونج وهواوي. وبينما استثمر المنافسون بكثافة في الابتكار والتحول الرقمي، اضطرت توشيبا لبيع أصول قيّمة – بما في ذلك الأنظمة الطبية والهواتف المحمولة والأجهزة المنزلية ورقائق الذاكرة – لمجرد توفير السيولة.
صراعات المساهمين ونهاية عملاق مدرج
ساعد ضخّ 5.4 مليار دولار نقدًا من مستثمرين أجانب عام 2017 توشيبا على تجنّب الشطب الفوري من البورصة، لكنه أدّى إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. اكتسب المساهمون الناشطون نفوذًا أكبر، مما أدى إلى صراعات داخلية مطوّلة حول الاستراتيجية والحوكمة، وما إذا كان ينبغي تفكيك الشركة.
بعد سنوات من الشلل والضغوط المتزايدة، وافقت توشيبا في عام 2023 على أن تستحوذ عليها مجموعة من المستثمرين اليابانيين بقيادة شركة الاستثمار اليابانية المدعومة من الدولة، في صفقة بلغت قيمتها 14 مليار دولار. مثّلت هذه الصفقة نهاية تاريخ توشيبا الطويل في بورصة طوكيو، وأغلقت فصلاً هاماً في تاريخ الشركات اليابانية.
دروس من سقوط توشيبا
يقدم سقوط توشيبا دروساً بالغة الأهمية للشركات العالمية، بغض النظر عن حجمها أو تاريخها.
تُعدّ أخلاقيات الشركات وحوكمتها أمراً بالغ الأهمية.
يمكن لفضائح المحاسبة وقرارات العمل المبهمة أن تمحو عقوداً من الثقة في غضون سنوات قليلة. تُبرز تجربة توشيبا كيف يمكن لثقافات الشركات السامة وضعف الرقابة أن تُتيح للمخالفات الانتشار دون رادع.
الانضباط المالي أمر لا يقبل المساومة.
يمكن لعمليات الاستحواذ المحفوفة بالمخاطر وسوء الإدارة المالية أن تُطيح حتى بأكثر التكتلات تنوعاً. يبقى التدقيق والشفافية والمساءلة عناصر أساسية للاستقرار على المدى الطويل.
التكيف هو مفتاح البقاء.
تتطور الأسواق والتقنيات وتوقعات المستهلكين بسرعة. جمود توشيبا وتأخرها في الاستجابة للتغيير جعلاها عاجزة عن منافسة منافسيها الأسرع والأكثر مرونة.
إرث تحذيري
لا تقتصر قصة توشيبا على مجرد فشل مؤسسي، بل هي بمثابة تحذير من التراخي في قمة هرم المؤسسات الكبرى. فالشركات الضخمة، التي تحميها نجاحاتها السابقة، قد تغفل عن عملائها، وتتخلى عن نزاهتها، وتتجاهل الواقع نفسه.
مع أن إنجازات توشيبا التقنية ومساهماتها لا ينبغي نسيانها، إلا أن انهيارها يُذكّرنا بأنه لا توجد مؤسسة بمنأى عن الانحدار عندما تتجاهل القيادة الأخلاق، والقدرة على التكيف، والتقييم الذاتي الصادق.