أخبار البلد - لا يمكن الرهان كثيراً أو أكثر مما ينبغي، على السيناريو الذي يفترض بأن مجموعة التكيف ذات النفوذ الكبير في عمان لديها إجابة على أسئلة كثيرة معقدة ومطروحة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بما وصف يوماً في جلسة نخبوية مغلقة في البحر الميت بـ «ضرورة الاستعداد للسيناريو الأسوأ في ملف القضية الفلسطينية».
يسأل السياسي المخضرم ورئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، بحضور «القدس العربي» ووسط نخبة سياسيين: أردنياً.. ما هو السيناريو الأسوأ؟
ولا يخفي المصري وغيره من كبار الساسة في العاصمة الأردنية مشاعر القلق التي تعتري الجميع، ليس جراء مخاطر وشيكة على المصالح الحيوية الأردنية بعنوان خطط اليمين الإسرائيلي في الضم والتوسع فقط، ولكن جراء نمو حالة سياسية مقلقة في المجتمع الغربي والدولي أولاً، وبين بعض الدول العربية والإسلامية ثانياً، فكرتها البحث في تفصيلات جغرافيا الضم الإسرائيلي للضفة الغربية.
ذلك حتماً – بتقدير السياسي المخضرم الدكتور محمد حلايقة – تطبيع خطير مع مقترحات وأفكار عدائية، كان يرفضها الجميع قبل أن تنجح المؤسسة الأمريكية اليمينية المتعاطفة حكماً مع اليمين الإسرائيلي بمضامينه الصهيونية، في التسلل بأفكار ومقترحات عنوانها إما توسيع إسرائيل قليلاً أو التدخل الأمريكي للحيلولة دون ضم شامل للضفة الغربية؛ لتمرير ضم واقعي أقل شمولية.
معادلة «تقليص طموحات الضم» الإسرائيلية هنا توازيها مقترحات «ضم أصغر» وتقليص مساحة الضفة الغربية. ذلك خطر داهم يجب – برأي الحلايقة – عدم التساهل معه والامتناع بمواقف سياسية واضحة تنسجم مع الثوابت الأردنية عن إظهار أي تفهم له مهما بلغت الضغوط السياسية من الأمريكيين.
ما يطالب المحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني سنان شقديح، الأردنيين بالانتباه له مجدداً، هي حيثيات الخطاب الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب مؤخراً على هامش رعايته لاحتفالات عيد «حانوكاه» اليهودي مع اللوبي العريض المؤيد ليس لإسرائيل فحسب، بل لنتنياهو حيث سلسلة عبارات وآراء وقراءات ينبغي – برأي شقديح – أن تثير «قلق» النظام الرسمي العربي برمته، وبالتأكيد الأردن بصفة خاصة.
المقاربة التي تتبعها إدارة ترامب هي تلك التي تقترح «التمكن من وقف الحرب على غزة» عبر ما يسمى بـ «مجلس السلام» والاحتفال بذلك مقابل «عملية سياسية» غامضة لا تلزم واشنطن بأي شيء له علاقة بالضفة الغربية ولا تتطرق لمشاريع «الضم».
والمرجح أن ذلك هو الكمين الذي تنبهت له عمان مبكراً وهي تناضل خلف الستائر من أجل ضمان مقعد لـ «السلطة الفلسطينية» في ترتيبات «إدارة غزة» احترازاً للمستقبل وحرصاً على منع طرح ذات السيناريو في الضفة الغربية.
لكن شقديح هنا يلاحظ بأن النضال الاستثماري الأردني والعربي يركز ويراهن على «دور أوروبا»، علماً بأن الدول الأوروبية أوليتها مع ترامب هو الملف الأوكراني وليست بموقع أي تأثير على إدارة ترامب، لا بل يشغلها ويغرقها الأخير بمناكفاته وحراكاته الابتزازية، وهو ما قيل عملياً على هامش لقاء تشاوري «سيادي» في عمان مؤخراً.
إرهاق المؤسسات العربية مرة بسيناريوهات غامضة ومرات بالنضال من أجل «إدخال حفنة مساعدات» لغزة، هو التكتيك الذي تتبعه أطقم ترامب التي تتابع الملف ومؤسسة السلطة – أي الشرعية الفلسطينية بالمفهوم الأردني- بقيت وتبقى «آخر من يعلم» أو يحضر في التفاصيل والكواليس، وفقاً لملاحظات المصري.
يعيد مثل هذا المناخ المفخخ طرح السؤال بنسخته الأردنية: ما هو السيناريو الأسوأ؟
وجهة نظر المصري أن «الأسوأ» يحصل حالياً على صعيد القضية الفلسطينية. وملاحظة الحلايقة المبكرة كانت تقول «اليمين الإسرائيلي يستهدف الوطن الأردني بعد الفلسطيني»، وعمان في «التكتيك» تعتمد على ما تبقى من «تأثير أوروبي»، وتراهن على معادلة انتخابية أمريكية في العمق الإسرائيلي تخرج طاقم نتنياهو من المعادلة وتلوذ في الأثناء بتكتيكات «تنويع الاتصالات» مرة مع أطراف مثل الهند وروسيا، ومرات مع أطراف مثل تركيا.
هل تجيب هذه الاستراتيجية في الحراك والتنشيط عن «سؤال الرد على السيناريو الأسوأ»؟ سؤال جديد تستنسخه المقاربات الخطرة إقليمياً ويعبر عن «حالة خطر محدق»، والانطباع حتى اللحظة أن مجرد طرح مقترحات مثل التهجير والضم بشقيه الناعم والخشن، إنما يعني دخول الجميع في الدائرة المغلقة السوداء؛ لأن مسار التكيف والتعايش مع الحقائق والوقائع سيقفز هنا الى الصدارة بعنوان الحفاظ على المصالح العليا أو تقليص المخاطر للحد الأدنى، عبر صفقات فردية تخص الدول العربية.
وذلك حصراً «مكمن الخطر» الأساسي على الأردن حصراً، حيث لا قوة ظل عربية وإسلامية تقف مع عمان في نضالها ضد «سيناريوهات الضم»، وحيث يتمكن اليمين الإسرائيلي يومياً من «التسلل» في العمق الأمريكي أحياناً وفي العمق الرعبي والإسلامي أحياناً أخرى.
ما يريد الأمريكيون خلف الستائر بوضوح إقناع دول الجوار العربية بأن تقليص الضم هو المساحة الوحيدة المتاحة والإمكانية متاحة إذا ما وافق النظام الرسمي العربي على توسيع إسرائيل قليلاً؛ لإنجاح عملية سلام مستقرة ودائمة، وللتقدم نحو كيانية فلسطينية على ما يتبقى من أراضي الضفة الغربية في إطار التأسيس لعلاقة ما مع الأردن.
ذلك النمط من التفكير بتقدير المصري، هو العنصر الأكثر إنتاجاً للقلق. وبرأي الخبير الاستراتيجي الجنرال قاصد محمود، هو جذر وأساس الحصار الجيوسياسي الذي يمارسه اليمين الإسرائيلي بخشونة ضد الأردن تحديداً.
أسوأ سيناريو للأردن: كمين بعنوان «تقليص الضفة والضم معاً» وإنهاء حرب غزة مقابل «مغادرة السلطة»