في بداية عام 2017 توقعت افتتاحية لرأي «القدس العربي» أن يؤدي الخليط المتفجر لفضائح المال والجنس والسياسة الذي أحاط بصعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسدة السلطة لاحقا إلى إمكانية نزع الحصانة منه، وحذرت، من جهة أخرى، من مبادرة بعض الدول العربية إلى التجاوب مع نمط ترامب في خلط الأعمال بالسياسة، ومن أجندته السياسية تجاه المنطقة العربية، وخصوصا ما يتعلق منها بفلسطين، وحملته العنصرية المكشوفة ضد المسلمين، كما اعتبرت أن علاقة إدارته الملتبسة بروسيا وتدخلها في الانتخابات ستلاحقه كاللعنة حتى نهاية ولايته وأنها يمكن حتى أن تقضي عليه.
تلقى ترامب الثلاثاء الماضي ضربة قضائية مزدوجة مع قيام محاميه السابق مايكل كوهين بتوريطه مباشرة في قضية انتهاك قوانين تمويل الحملات الانتخابية، وإدانة مدير حملته السابق بول مانافورت بتهم الاحتيال المصرفي والضريبي، وهو ما سيعطي دفعة كبيرة للتحقيق الذي يجريه المدعي الخاص روبرت مولر في التدخل الروسي في حملة الانتخابات الأمريكية، وفي شبهات تورط فريق حملة ترامب مع الكرملين.
تعطي هاتان الضربتان الموجعتان لترامب وإدارته دفعة كبيرة للأمريكيين (وللمؤمنين بقيم الديمقراطية في العالم) بدور المؤسسات القضائية، باعتبارها الحصن الأخير الذي يمكن اللجوء إليه في ظل سيطرة حزب الرئيس ترامب الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، وخصوصا بعد نجاح ترامب في تعيين قاض محافظ في المحكمة الأمريكية العليا، وإقالة من عارضوه في رئاسة المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) ومكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي)، وشنه هجمات هائلة على وسائل الإعلام واستعداء الأمريكيين عليها باعتبارها «عدو الشعب» التي تروج لـ«الأخبار الزائفة» عنه، ومحاولاته الكثيرة للدفاع عن كل رجال إدارته المتهمين أو المشتبه فيهم، وفي إحباط جهود المحقق مولر.
ليس مستغربا أن خلطة الفساد المالي والسياسة والفضائح جذبت بعض زعماء العرب للتعلق بقاطرة الرئيس ترامب، وقد شهدنا منذ ترشحه للرئاسة محاولات عربية لإعلان الولاء له (كما فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) طمعا في توظيف أجندته السياسية في خدمة تشديد قبضاتهم على شعوبهم وإدخال خصومهم قوائم الإرهاب العالمية، وما لبث أن اكتشفنا لاحقا أن بعضها الآخر كان موجودا في داخل «المطبخ» الفضائحي نفسه، كما هو الحال مع الإمارات التي وجدت آثار أصابعها في القضايا المعقدة للتدخل الروسي والاستثمار الملتبس في انتخاب ترامب، ثم شهدنا آثار كل ذلك في محاولة توظيف ثقل العملاق الأمريكي في قضية الحصار على قطر، ثم في التحالف المشبوه للضغط على الفلسطينيين وتسويق خطة ترامب لإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.
بدأ انتخاب ترامب بمظاهرة كبرى للنساء في واشنطن العاصمة، وساهمت مؤسسات الإعلام والقضاء والأمن والتجمعات المدنية بأشكالها المختلفة في النضال ضد نهج ترامب، وكما تلقى العرب (وخصوصا الفلسطينيين والسوريين واليمنيين والقطريين) نصيبهم الكبير من الأذى الذي خلقته إدارة ترامب فقد ساهموا، مع شعوب العالم، في الاحتجاج ضد الإدارة الأمريكية الظالمة، وربما نشهد حاليا نتائج هذا النضال الكبير الذي قد يتكلل بهبوط نجم ترامب بعد صعوده الخطير.