مارسيل بوا كبير في مجتمع بلا ذاكرة

مارسيل بوا كبير في مجتمع بلا ذاكرة
أخبار البلد -  

مارسيل بوا كاتب ومترجم ورجل دين، اختار الجزائر مكاناً لحياته حتى آخر العمر. ترجم الكثير من الأعمال الأدبية في حياته الطويلة، من العربية إلى الفرنسية، لكنه اختص في ربع القرن الأخير من حياته، في ترجمة ثلاثة كتاب: إبن هدوقة الذي ربطته به صداقة متينة حتى وفاته.
فترجم كل أعماله الروائية والقصصية، وحتى بعض تأملاته النثرية. ترجم أيضاً بعض أعمال الطاهر وطار مثل الحوات والقصر والشهداء يعودون هذا الأسبوع، قبل أن يقرر التوقف عن ترجمته بعد تصريح وطار القاسي إثر اغتيال الروائي والإعلامي الطاهر جاووت، حينما قال: الطاهر جاووت ليس خسارة للجزائر ولكنه خسارة لفرنسا.
قال لي يومها مارسيل، بعد مقالة كتبتها في «الوطن» احتجاجاً على تصريح وطار: الطاهر جاووت جزائري بامتياز، ولا يحق لأي واحد احتكار الوطنية في ظل وضع دموي. ثم جمعتني بمارسيل علاقة حب وعمل حينما اختار رفقة جديدة وشرع في ترجمة رواياتي بشكل متواتر: سيدة المقام. كتاب الأمير. سوناتا لأشباح القدس. رماد الشرق (جزءان). البيت الأندلسي. وكان منهمكاً منذ أكثر من سنة في ترجمة 2084/ حكاية العربي الأخير، وكان سعيداً بذلك، فهو كلما أقدم على ترجمة نص يحبه، إنتابته هذه السعادة.
كنت أعرف أنه مريض وأنه خارج من عملية معقدة على القلب أجراها في فرنسا، لهذا نصحته بالتخفيف من ساعات العمل، لأنني أعرف أنه لا يرتاح حتى في أقسى الظروف. عندما سألته عن وضعه: قال: أيام فقط وسأقوم مثل الحصان وسأتم ترجمة الرواية.
على الرغم من سنه الذي تجاوز التسعين، كان الوسيط الحي، الحامل للثقافة العربية باتجاه مساحات عالمية أوسع. كان جسراً حقيقياً عبر من خلاله الكثير من النصوص العربية نحو الثقافة الإنسانية. استطاع في ظرف ربع قرن أن يمرر ليس فقط ثقافة عربية حية، ولكن أيضاً مخيالاً واسعاً وغنياً تتلاقى فيه الثقافات الشعبية والعادات المتجذرة، بهاجس الحرية المبطن في أعماق النصوص التي ترجمها.
إضافة إلى عمله الديني، والتدريسي للترجمة واللغة العربية، في الثانويات والمدارس المتخصصة، وفي أسقفية لغليسين، والبيار، وحتى في بيته في القبة، كان رجلاً حاضراً في كل المناسبات التي تخص الوضع الجزائري ثقافياً وسياسياً. متعته الأدبية الكبيرة كانت عندما يقرأ الرواية، ثم يشرع في ترجمتها الأولية مع طلبته.
كان يحب كثيراً القراءة. في الكثير من الأحيان كنا نقضي وقتاً طويلاً في بيتي في الجزائر، أو باريس حيث كان يزورني كلما قطعنا شوطاً في ترجمة رواية من رواياتي، في قراءة العمل مترجماً. يستمتع برنات اللغة الفرنسية وهي تنفصل قليلاً عن النص العربي لتكون عالمها الخاص.
مهنته وتدينه الصوفي، علّماه شيئين مهمين: احترام الوقت والدقة. ذلك كله لم يمنعه من أن يكون محباً ومتسامحاً. كُرّم مارسيل في مسقط رأسه، في منطقة السافوا، وأيضاً في مارسيليا ومدن أخرى. ولكنه لم يُكرّم كما يليق به في أرضه التي أحبها وأحبه شعبها، الجزائر.
لم يحضر تأبينه إلا أصدقاءه الذين تقاسم معهم سنوات العمر، مرها وحلوها، كما اشتهى ذلك. اختار الجزائر وأقام فيها واختار أيضاً أن يُدفن فيها. ويوم بدأ الكثير من المسيحيين وبقايا اليهود، مغادرة الجزائر بسبب الاستهداف الإرهابي المباشر لهم، في العشرية السوداء، قال لي: باق هنا. هذا الشعب الطيب أكرمني يوم كنت في حاجة إلى أرض وسماء رحيمتين، واعتبرني من أبنائه، لا يمكنني أن أغادره يوم الحاجة.
وبقي في القبة، أحد أحياء العاصمة الشعبية، يؤدي صلواته بالأوفياء، ويترجم الروايات والقصص، ويستجيب لدعوات الأصدقاء الذين يثق فيهم. كنت أراه من بعيد بمشية فلاحي السافوا الجبليين، الأقوياء، بقامته المستقيمة رغم العمر، بالبيري الباسكي، وهو يعبر شارع ديدوش ومراد استجابة لموعد بيننا، في الجامعة المركزية، أو في مقهانا العاصمي المفضل. طوال لقاءاتنا العملية التي قاربت العشرين سنة، لم يتخلف مارسيل ولا مرة واحدة عن الموعد. كان عمله الترجمي شبيهاً بجديته في الحياة.
لا يرتاح إلا عندما يؤديه على أحسن وجه. طبعاً، كانت هناك نقاشات حادة أحياناً حول كلمة، أو عنوان، أو جملة، أو موضوعة محرجة، تخترق السكينة عندما يستعصي علينا إيجاد صيغ مشتركة. الهدف من وراء هذه الصرامة، جودة الجهد بحيث يصبح النص متماهياً مع الأصل، قدر ما تتيحه عبقرية اللغة. شيء يبقى كالشوكة في القلب، على الرغم من جهوده الكبيرة، لم يُكرّم مارسيل بوا ولا مرة في حياته بالشكل الذي يليق به.
مع أنه كان يستحق أعلى درع وطني في البلاد، ويُسلّم له لا من وزير، ولكن من رئيس الجمهورية، ولن يكون ذلك بكثير عليه، فقد كُرّم من هم أقل منه بكثير، من حيث الجهد الوطني وخدمة العربية، والوطن، والثقافة. لكن يبدو أن للتكريمات منطقاً آخر، لا علاقة له بالقيمة، فهو يأتي إما خوفاً من شخص ما لإسكاته، أو محاباة لا علاقة لها بالجهد المبذول، أو مصلحة مبطنة. هناك انهيار مدو في الأخلاق، يرفع العاجز المحابي، وينزل تحت الأرض من أعطى عمره لوطنه، لأسباب دينية أو أيديولوجية منحطة، أو حتى جهوية. الأغرب من هذا كله، فقد مرت وفاة مارسيل بوا إعلامياً وكأنها لا حدث، لولا بعض الجرائد القليلة جداً، والأصدقاء الأوفياء من طلبته، ورجال الدين وأصدقائه المقربين، الذين رافقوه في التأبينية التي نظمت له في أسقفية البيار، بمرتفعات العاصمة، ثم نحو مأواه الأخير في مقبرة بلفور، ليس بعيداً عن مقبرة العالية. كل المداخلات التذكرية التي ذكرت خصاله يومها، بينت كم أن الرجل كان جزءاً من الوجدان الجزائري. لم يكلف أي مسؤول ثقافي، وحتى غير ثقافي، صغير أو كبير، نفسه المشاركة الوجدانية حتى نفاقاً. لا وزير، ولا بعض وزير، ولا مشتغل في الديوان، ولا ممثل، مع أن مارسيل كان جزائرياً بامتياز، بقلبه، وحواسه أكثر من الكثير من الجزائريين الذين تستيقظ وطنيتهم فقط عندما تبدأ حرب المناصب والمصالح السرية، ومص دم البقرة الحلوب كلما جف حليبها. ماذا يعني هذا النسيان أو التناسي؟ هل هو رمضان الذي تحول إلى مشجب يعلق عليه البشر فشلهم، وبؤسهم وعجزهم الفكري؟ لم تبعث الوزارة الوصية حتى نعيا للأسقفية؟ كان مارسيل طبعا أكبر من هذا كله، وقناعاته في أرضه التي اختارها، أجدر وأقوى. كان عندما يحزن من محيط شديد البغضاء والشراسة، يقول: الواجب يملي علينا أن نكون نحن، في أي مكان، دون انتظار شيء ما في المقابل. كان مارسيل محقا، فكيف يُنتَظرُ من القتلة المتسترين، أن ينتبهوا لقيمة ثقافية تظل شامخة في الوجدان الوطني العام، بالرغم من أنوفهم؟

 
شريط الأخبار وفاة خمسيني بحادث تدهور في الاغوار الشمالية رغبة حكومية بتأجير قلعة القطرانة وتحويلها إلى مطعم وفندق "الجمارك" : لا صحة لمنع دخول السيارات الكهربائية ذات البطارية الصلبة للأردن اعتراف غير مسبوق من زعيم المعارضة الإسرائيلي بخصوص جيش الاحتلال: لم يعُد لديه ما يكفي من الجنود! توضيح رسمي حول التشويش على نظام "جي بي أس" في الأردن سخرية كبيرة من تعيلق أفيخاي أدرعي على اقتباس من كلمة أبو عبيدة القسام تعلن استهداف موقع تجسس للاحتلال الإسرائيلي وسط غزة مكافحة الأوبئة تشخص واقع الملاريا في االأردن الأردن...3 شبان ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء الهيئة العامة للبنك الأردني الكويتي تعقد اجتماعها السنوي العادي برئاسة الشيخة ادانا الصباح بكلفة أكثر من مليون.. الأشغال تحدد موعد بدء مشروع صيانة تأهيل طريق جرش -المفرق صمت دام أكثر من شهرين: رئاسة الوزراء ووزارة المالية تتجاهل كتاب "جمعية مستثمري الإسكان" بإعفاء الأجانب والشركات العقارية من الغرامات تعديل على ساعات عمل معبر الكرامة الأسبوع القادم -تفاصيل الأوقاف: 1679 مستوطنا متطرفا اقتحموا المسجد الأقصى مستشفى الاستقلال يبرز بمشاركة فاعلة في مؤتمر كلية الطب الأول للجامعة الهاشمية لواء ناحال الصهيوني يغادر غزة توقيف محكوم بـ"غَسل أموال" اختلسها بقيمة مليون دينار خصم تشجيعي من بلدية إربد القوات المسلحة الأردنية تنفذ 6 إنزالات جديدة لمساعدات على شمال غزة بمشاركة دولية بنك ABC في الأردن يعقد الاجتماع السنوي للهيئة العامة عبر وسائل الاتصال المرئي والالكتروني