حرب باردة أطرافها ساخنة !!
أخبار البلد - لا اعتقد أن العالم وصل الى حافة الهاوية حتى الآن ، رغم عودة الحرب الباردة
باطرافها الساخنة ، ومعها سباق التسلح ، وعمليات تعزيز ترسانات الأسلحة
الأستراتيجية لدى القطبين اللدودين ، واعني الولايات المنحدة وروسيا ، لأن
اسلحة الرعب الشامل هي الرادع لنشوب نزاع نووي مدمر.
ما يحدث اليوم من تنافس بين القوى العظمى يعيدنا الى مرحلة ما قبل سقوط
جدار برلين ، ويؤكد لنا أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على قيادة العالم كما
تشتهي ، بسبب ولادة عالم متعدد الأقطاب كرّسه وأكده الرئيس بوتين في خطابه الأخير، الذي كشف عن
ترسانة روسيا النووية واسلحتها الأستراتيجية الجديدة ، وهو خطاب غير مسبوق حمل رسائل كثيرة وخطيرة
الى الولايات المتحدة والى الدول الأوروبية التي وافقت على فرض العقوبات على موسكو ، وساهمت في نشر
حزام القواعد الصاروخية الأميركية ( الدرع الأميركي ) حول روسيا ، تحت عنوان حلف شمال الأطلسي « الناتو « ،
في محاولة لأعادة الاتحاد الروسي الى ما وراء الستار الحديدي.
الكشف عن تحديث الترسانة النووية الروسية بهذا التفصيل جاء للرد على سلوك الأدارة الأميركية الأستفزازي ،
اضافة الى تلويح الرئيس الأميركي بفرض المزيد من العقوبات الأقتصادية على روسيا ، واستمرار الأجراءات
الأميركية الأنتقائية لمحاصرة روسيا عسكريا ، اضافة الى الجهود الأميركية الواضحة لعرقلة الحراك السياسي
والدبلوماسي الروسي خصوصا في أزمات الشرق الأوسط.
الثابت أن خطاب بوتين برسائله الموجهة شملت الدول الأوروبية أيضا ، لأن الرئيس الروسي بذل كل جهد
لتحسين علاقات موسكو مع الدول الأوروبية ، ولكن هذه الدول ، التي يتغير فيها الرئيس وتتناوب فيها الأحزاب
على الحكم مصرة على ان تحافظ على تبعيتها للولايات المتحدة وممارسة نفاقها السياسي ، رغم تقاطع
مصالحها مع المصالح الأميركية في أكثر الأحيان ، ورغم الاجراءات والقرارات الأستفزازية التي اتخذها الرئيس
الأميركي ضد اوروبا ، والتصريحات المهينة التي اطلقها ضد دول « القارة العجوز « !!
هذه التطورات بضجيجها وتداعياتها قلبت الطاولة وخلطت كل الأوراق في الواقع الدولي ، وهنا يجب أن نشير
الى أن هذه « الدربكة « والفوضى الدولية ، بدأت مع منذ تشكيل ادارة الرئيس ترمب التي لم تستقر حتى اليوم
،حيث يلاحظ المتابع أن حركة الأستقالات من ادارة البيت الأبيض كثيرة ومتواصلة ، وربما السبب أن الرئيس
يتصرف بفردية ، أو انه اعتمد نهجا تجاوز فيه العمل المؤسسي المعتاد ، خصوصا أنه قادم من عالم السياحة
والفنادق والأعلام الترفيهي البعيد عن السياسة ، اضافة الى أن ثقته بنفسه عالية بشكل مبالغ فيه ، وأعني ( تضخم الأنا ) ، وهذه الحالة تخلق صراعا بين الارادة والعقل.
كذلك هناك من يعتقد أن الرئيس ترمب سمح لصهره كوشنر بدور أكبر من سنه وخبرته وصلاحيات وظيفته ،
بحيث اصبح له التأثير الأكبر في وضع سياسات وقرارات مهمة وصعبة خصوصا في الشرق الأوسط ، وبالذات
قضية الصراع العربي الاسرائيلي وقضية الشعب الفلسطيني ، هو الأمر الذي يضر بمصالح الولايات المتحدة
حتى لو ساد الصمت العربي بعض الوقت.
هذا الواقع الدولي الجديد المتوتر اعادنا الى زمن الحرب الباردة باطرافها الساخنة في مواقع عديدة من العالم ،
وبشكل يهدد السلم العالمي. لأن عودة التنافس الروسي الأميركي الراهن فتح الأبواب مشرعة أمام سباق
التسلح على حساب التنمية ورفاهية الشعوب. وهذا يعني الغاء ودفن اتفاقية ( سولت -1 ( لتجميد السلحة
النووية التي تمت بين موسكو وواشنطن في العام 1972 ،كذلك معاهدة ( سولت -2 ( للحد من السلحة
النووية ، والتي وقعها الرئيسان بريجنيف وكارتر في فيينا عام 1979 ، وبعدها مفاوضات ( ستارت ) لتقليص
ترسانة الأسلحة الأستراتيحية لدى الدولتين.
في المشهد الدولي الحالي ارى أن أي تنسيق أو تفاهم بين موسكو وواشنطن قد انتهى وتلاشى ، ولكن رغم
كل هذه التطورات المتسارعة المرعبة التي يخشاها العالم يظل توازن القوى هو الرادع لأي مغامرة نووية غير
محسوبة.