اخبار البلد
بقلم: صابرين فرعون
قد يبدو من المستحيل أن نفهم ذواتنا وقدرتنا على المزج بين اليقيني والمادي، ولكن التجربة الصوفية دليل واضح على التوحد والتأمل الروحي في كسر حواجز العتمة بين العوالم التسلسلية التي تقود في كلا الاتجاهين للطريق نفسه..
في "قاب قوسين.. وأدنو" للشاعرة المغربية الألمانية "فاطمة البوعناني آن فلوس"، ديناميكية حكائية تُبين العوامل النفسية التي أدت للغوص في الكشف والاستدلال باللغة للتعرف على القيم الوجودية وميتافزيقيا النفس، ويُلاحظ أيضاً العفوية والسلاسة في ترسيخ فكرة توحيد المركز مع الآخر، للوقوف عند المعنى العام، والوقوف عند الهوامش الصامتة .. كما أن اللغة الرمزية بانزياحاتها السردية تشد القارئ للإبحار وتلمس المعاني التي تقف عندها أن فلوس، وتستدعي فهم طريقتها من خلال الوظيفة التركيبية والبُنية اللسانية المتمثلة بالتشابه والتباين والفكر الديني والتصور الفلسفي..
تسعة عشر نصاً نلحظ بها تأثراً بابن عربي باللغة المعنوية والدلالات كما في قصيدة "يا أنت يا أنا"، وبالنفري من تكثيف المعنى واختزال اللفظ في كل النصوص الشعرية، وبالبسطامي في الشطحات والإحالة النصية كما في قصيدة "ندى الفجر":والفجر وحروفٍ عشر، كما أن الشاعرة تتوحد وتندمج مع ذاتها وطريقها بالمعرفة والثقافة والتعبير عن التجربة برؤيتها الخاصة، فنجد تأثراً بالأمثال الشعبية والحِكم كما في نص "الموت في 5 ثوانٍ": فخبئ دمعك الأبيض ليومك الأسود"، كذلك توظف المزيج المعرفي والأدبي بفنية عالية وحسب السياق :أبو نواس، نيتشه، كولومبس،هوشي منّه، المهاتما غاندي، الزير سالم، امرئ القيس، سيدنا نوح، سيدنا يونس، المعراج، الكأس المقدسة، عكاظ"..
نلحظ شكلاً من الهجران أو الغياب في أول قصيدة "بيان" وينتهي الأمر بالحكمة والفناء في آخر قصيدة "توقيع" وهو نوع من تقاليد المتصوفة في مقاماتهم النمطية، لكن الجديد عند أن فلوس هو حقيقة تجريد اللغة الرمزية من الغموض وذلك من خلال إخضاعه للون الوجداني ومقاربته بالخطاب اللغوي، حيث أنها لا تعتمد فعل الأمر بالمطلق، بل تجتهد على الصور البلاغية بما فيها من محسنات بديعية وتشخيص لتستنطق الجرس الموسيقي والإيقاع الصوتي للعبارة الشعرية وتأويلها حسياً..
اهتمت الشاعرة بعنونة قصائدها، فكانت عتباتها أنيقة تغري على الغوص في أعماق الحرف، واستنباط دلالاته وكنهه، والاستمتاع بالابتكار المشهدي الذي يشكل لوحات متناغمة لوناً وصوتاً وموضوعاً..