كما في حالات عدة مِن قبل، ومثلما هو مُتوقع أن يقع في مناسبات مماثلة بمقبل الأيام، جرى تشويه احتجاجات مشروعة ضد حادث قتل مُتعمد، عنصري، مروِّع، وحشي، بغيض، وبشع، تعرض له الأميركي جورج فلويد، على يد الشرطي ديريك شوفين، فإذا به يعرض أمام الملأ، في العالم كله، مدى القبح الذي يمكن أن يذهب إليه ظلم إنسان لأخيه الإنسان، فور ما يخلع الظالم كل لباس عدل زائف يَفترض أنه إذا تلفّح به، فسوف يُخفي ما يخفيه هُوَ، في نفسه من حقد مقيم تحت الجلد منه، ينفث سموم البغض في كل الاتجاهات، يحض على الفتنة، ويمارس التحريض حيث يوجد آخرون يختلف معهم، سواء لأنهم مختلفون في لون بشرة، أو مغايرون في الدين. يحدث هكذا مشهد فظيع عندما ينتفض طبع متوحش مزروع في العروق، يستوطن الضمير والشرايين، فيتجرّد مرتكب الجُرم من أوراق شجر توت تستر مزاعم ادعاء تحضّر، أو تديّن، لتنكشف، من ثَمّ، مدى فظاعة قبح مستور تُزهق روح امرئ، لعله بريء، كما أي طفل، مثلما هو حال إياد الحلاق، الشاب الفلسطيني المُصاب بالتوحّد، ضحية عمى طغيان الاحتلال الإسرائيلي، أو لعل للضحية في سجل الشرطة سوابق ومخالفات، لكنها لن تبرر القتل، مثلما حصل مع الأميركي جورج فلويد.
جانب آخر من جوانب تشويه المسيرات تمثّل في إقدام بعض الفوضويين على ممارسة تخريب استهدف نهب مخازن سلع، أو محطات وقود، في عدد من الولايات الأميركية. بالطبع، أدى هذا إلى وقوع مزيد من الصدامات مع الشرطة.
في بريطانيا، كذلك، حصل شيء مشابه من ممارسات التشويه تلك. من ذلك، مثلاً، ما وقع بمدينة بريستول الأحد الماضي، حيث أطاح عدد من المتظاهرين تمثالاً للمدعو إدوارد كولستون، وهو أحد أبرز تجار الرقيق خلال القرن الثامن عشر، وراحوا يدحرجونه حتى ألقوا به في نهر. بكل تأكيد، ليس لأحدٍ إذا اعترض على هكذا اندفاع، أن يتوقع تقبّل، أو حتى مجرد تفهم، لماذا الاعتراض على تصرف جموع الغاضبين على التمييز العنصري، فكيف إذا كان الإجراء الغاضب استهدف تمثالا واحدا من رموز أبشع أساليب الاتجار بأنفس البشر؟ كلا، ليس الاعتراض على الغضب، فهو محق تماماً، والرفض يجب أن يوجه أصلاً لمبدأ أن يوجد هكذا تمثال برونزي تكريماً لمثل ذلك الرجل. إنما، ألم يكن ممكناً للمناضلين ضد التمييز العنصري، في بريطانيا كلها، وليس في بريستول وحدها، السعي الدؤوب منذ سنين مضت لأجل إزاحة هكذا تمثال، وغيره مما شابهه، بأسلوب غير عنفي، وبلا تصادم مع أي من شرائح المجتمع؟
معروف أن جريمة قتل جورج فلويد، الاثنين قبل الماضي، لم تكن الأولى، لكن صداها، داخل أميركا وخارجها، بدأ يتضح، يوماً بعد آخر، أنه مميز عما سبقها. الأرجح أن نسيج المجتمع الأميركي السابق لمقتل جورج فلويد لن يبقى كما هو بعده. أما خارج أميركا، فإن خنق الشاب بذلك الأسلوب البشع، يكاد يفجّر بركان غضب عالمي ضد كل مظهر باقٍ للتمييز العنصري. لقد شُيِّع الرجل أمس إلى مثواه الأخير، فهل تُدفن العنصرية معه إلى الأبد؟ كلا، ليس بعد.