اخبار البلد ـ أعاد مقتل جورج فلويد الحديث عن العنصرية في امريكا وكأن العالم اكتشف واقعاً جديداً كان يجهله وسمع به لأول مرة، وبين مقتله واغتيال الزعيم مارتن لوثر كينيغ( قبل اثنان وخمسين سنة) الذي قاد نضالا سليماً في الولايات المتحدة في سبيل الحرية وحقوق الإنسان ومن اجل الحصول على الحقوق المدنية للأمريكيين من اصول إفريقية في المساواة، رحلة طويلة لم تتوقف حول رؤية السيد الابيض الذي صنع المعجزة الامريكية للأخر مهما كان ومن أين اتى.
في امريكا ديمقراطية حقيقة لا يمكن ان تنكر ونظام سياسي صمم ليكون فيه البقاء للأقوى ومجتمع قابل للجميع وطارد لمن يعجز عن قبول أحكامه التي في كثير من النواحي تتجرد من الانسانية لصالح المادة عماد الحياة التي اقرها من استوطن الارض الجديدة ضمن رؤية تختلف في كل تصنيفاتها عن تعاطي بقية مجتمعات العالم مع مفاهيم الحقوق والواجبات التي تحكم قيم المجتمعات الاخرى.
العنصرية ضد الأفارقة ضحايا واحدة من اكبر الجرائم ضد الانسانية التي مورست بحقهم عبر خطف وبيع العبيد في القارة الجديدة مازالت مثالا حياً عن واقع هذا التمييز للرجل الابيض الاوروبي ضد هؤلاء وسيبقى هذا التمييز ضدهم يمارس بعمق وقناعة في المجتمع الامريكي الرافض لتغيير رؤية الاخر غير الابيض الاوروبي رغم أن امريكا تستوعب ملايين المهاجرين سنوياً لكنها سرعان ما تفرض رؤية التمييز العنصري على القادمين اليها عبر فرز صامت يحدد شكل الواقع الذي سيكون فيه المهاجر الجديد.
الغضب من الممارسات العنصرية التي ادت لمقتل جورج فلويد تجاوزت الغضب الذي شهدته وتشهده مدن الولايات المتحدة وانتقل الى انتقاد دولي لهذه الممارسات وتضامن مع الافارقة والملونين ضحايا العنصرية المقيتة، لكن المفارقة تأتي ممن يعلنون تضامنهم مع الضحايا والذين تحولوا لمناهضين للعنصرية المقيتة وتقمص كثيرون دور الانبياء في استنكار ذلك والحديث عن الانسانية والمحبة والسلام بين البشر... فهل حقاً نحن انبياء.
مخزون العنصرية في عقول كثير منا كبير وواسع، وكل من ليس منا فهو ذي نقيصة في الارض والعرض، أمريكا تدمج القادم اليها خلال سنوات قليلة ونحن نذكر القادم الينا بأصوله وانه غريب بعد عشرات السنين، ومازال الاخر مرفوضاً مهما كان شأنه وصفته طالما أنه وثقافة القبيلة والعائلة والمنطقة والاصل والفصل راسخة في رؤيتنا للآخر الذي ينظر له برؤية فيها الكثير من المهانة والاحتقار طالما أنه ليس من هؤلاء الخيرة الابرار.
في امريكا الحديث عن التمييز العنصري يفرض نفسه في كل جريمة بخلفية عنصرية تشهدها ولكن الجرائم العنصرية في بعض مجتمعاتنا لا يتحدث عنها احد وتمارس في الحياة اليومية بكل بساطة ودون حرج في اللغة والوصف، في الزواج والنسب، في أن الآخر قبل أن يكون من هو ما هي المواصفات العنصرية التي تتماهى مع رؤيتنا له فيها قبل أن نسأل عن انسانيته ومن يكون.
العنصرية ظاهرة صاحبت المجتمعات الانسانية منذ الازل ورغم ان الاديان والفلسفات حاربتها، وفي زمن الحضارة المادية التي نعيشها والتي تعطي للإنسان قيمة اكبر بما يقدمه خدمة لها، مازالت العنصرية تسيطر على التصرفات واللغة وحتى النكات التي نتداولها، العنصرية في واقعنا يسكت عنها وكأنها قدر ولا نمتلك الشجاعة للحديث عنها او المطالبة بحوار شجاع حولها، كيف نتصدى لها ونسقط ارهاصات من الماضي عن كذبة التمييز الذي ابتلينا به وأن اهم ما في الانسان انسانيته أولاً واخيراً.