المكان
أخبار البلد - كل شيء یعبر , إلا الأطفال فالجرح في إصبع واحد منھم یستفزك حد الغضب ..ماذا أنتجنا بعد كارثة
.. البحر المیت ؟
أرتال من العتب والشكوى والتذمر , ونحیب على صفحات الفیس بوك ..تخللھ ھجوم على وزیر التربیة
والمطالبة باستقالتھ , أنتجنا أیضا وابلا من النقد ..والمطالبة برحیل الحكومة ...أنتجنا غضبا والبعض
.. تفنن في كتابات العویل واللطم ..وشرح وجع الأمھات
أنتجنا أیضا , مجلدات في نقد حكومة الرزاز ...ولكن أي واحد من الذین أشبعونا لطما , لم أشاھده یذھب
لمكان الفاجعة ویقرأ الفاتحة ویضع إكلیلا من الورد ...في المكان ویترحم على الذین ماتوا ...حتى تعرف اللحظات التي مر بھا الأطفال
وحجم الألم وحتى یبقى المكان في ذاكرتك , على الأقل كنا بحاجة لوقفة في المكان ..لكي نحاول أن نفھم مالذي حدث , لكي نتحدى غضب
. الطبیعة ...لكي نقیم نصبا تذكاریا على ضفاف البحر تخلیدا لمن ذھبوا في ھذه الكارثة الطبیعیة
لم أشاھد وفدا برلمانیا یعاین المكان , ولا وفدا من النقابات ..لم أشاھد حزبا , أو حتى جمعیة ...ولكن حین یصبح الأمر طرود خیر
للمحتاجین , الكل یتھافت لتوزیع الطرود من أجل إبراز الصورة في المواقع الإخباریة , أما مجاري وسیول الموت لا أحد یكلف نفسھ عناء
. زیارتھا
كان الأولى برؤوساء الوزارات السابقین , وبأبطال التویتر والتغریدات الصاخبة , وبأصحاب القصص الكاذبة التي یجیدون سردھا على
التلفزة المحلیة ...أن یكلفوا نفسھم عناء زیارة للمكان ..لتكن زیارة تعاطف , كیف یعرفوا حجم الألم ..الذي عانى منھ الأطفال , وغضب
الطبیعة ...وحجم الموت الذي یعصف بالتراب ..لكن أحدا لم یكلف نفسھ عناء , الذھاب للغور ..ربما الأحذیة الإیطالیة الفاخرة ..لا تحتمل
.. وعورة المكان
في النھایة , اختطف السیل أطفالنا ...ونحبنا وبكینا فقط, لو كان الحدث في دولة أخرى لتقاطر الألوف إلى المكان ...ووضعوا الورد , على
الأقل كي یقولوا للطبیعة القاسیة ..نحن ھنا لا نھزم ونتحدى الموت