كنت اتابع حوارا مهما على التلفزيون الرسمي المصري بعد سقوط نظام حسني مبارك، حين لام المذيع، الشباب المشاركين في الحوار، بسبب إعراضهم وتحولهم عن تلفزيون بلدهم الوطني، الى الفضائيات العربية. فردوا:
دا انتم رميتونا على تلك الفضائيات رميا. لما ما فيش أخبار وموضوعات ليها طعم، احنا نروح على المحطات اللي فيها طعم ونقد وسقف عالي. واضافوا: تلفزيونات مصر الرسمية وغير الرسمية كانت كله تمجيد وتجميل وتضليل !!
يتعذر اليوم على المهتمين، الوصول الى استخلاصات علمية ومعلوماتية دقيقة، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، بسبب انحياز الإعلام في العالم كله، انحيازا كاملا لمالكيه، الذين يوجهونه حسبما تقتضي مصالحهم.
كان الإعلام رسالة. ثم أصبح صناعة. ثم انتهى إلى أن يصبح تجارة. وبالضرورة فقد اصبح ذراعا من اذرع المخابرات ووزارات الخارجية والتوجيه الوطني للدول التي تنفق عليه.
وخارجيا أصبح مروجا للحريات العامة والديمقراطية والحاكمية الرشيدة وضد الفساد والقمع والاستبداد. واصبح سوطا على ظهر الحريات وحاميا لممارسات الفاسدين وانتهاك الحقوق في الدول التي تملكه. على قاعدة «من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يطربه».
ان الهيمنة المطلقة على الإعلام والتوجيه الحديدي لمساراته وادواته، اسهم في دفع الناس، في كل العالم، الى البحث عن بدائل فيها شيء من الأوكسجين و لا تفوح منها رائحة الانحياز والتوجيه.
في البداية، وجد الناس ضالتهم في المواقع الإلكترونية، التي اصبحت متنفسا بارزا لهم، و معبرا عن مصالحهم وتطلعاتهم وحريتهم في التعبير عن ذواتهم، إلى أن تم التضييق عليها، وجرى حصارها وتقييدها بقيود صارمة. ثم اخذ الناس في اعتماد السوشيال ميديا التي شعروا انهم يمتلكونها ولا تمتلكهم !! استأنسوا بالحرية المطلقة التي توفرها. وبفوريتها وسرعتها وانفلاتها من الرقابة.
يشكو العالم اليوم، مما أصبحت تشكله السوشيال ميديا، من مخاطر على الحريات الشخصية للأفراد ومن الإشاعات التي تنتشر بسرعة الضوء مستخدمة «الفوتوشوب» وعلى الحقيقة والحقوق والأمن والاستقرار ووحدة المجتمع وسلامه.
دفع التضييق على الإعلام، والهيمنة على كل مفاصله، بالناس دفعا الى السوشيال ميديا !! التي تبحث المجتمعات اليوم عن مخارج لضبطها والتخفيف من آثامها وآثارها السلبية.
الحل الذي يتوصل إليه العالم اليوم هو ان الحملة لجذب الناس من السوشيال ميديا، ستفشل كليا، إلا إذا كان ذلك مرفوقا بإعادة النظر في ضغط -ولا اقول ضبط- الحريات المتاحة، لوسائل الإعلام الوطنية، وجعلها جذابة مطلوبة، فيها طعم و دسم، فيها نقد وكشف واستقصاء. فيها رأي ورأي آخر.
الشكوى من السوشيال ميديا.. كمن طخ رجله
أخبار البلد -