فعل الكونغرس الأميركي خيراً بمنح الرئيس المصري الأسبق
أنور السادات ميدالية ذهبية في الذكرى المئوية لميلاده وذكرى
مرور أربعين عاماً على توقيع إتفاقية كامب ديفيد وحقيقة
وحتى وإنْ غضب الذين لا زالوا يعيشون أوهام :"تجوع يا سمك"
ولا زالوا يلوحون بسيوفهم الخشبية فإن ما أقدم عليه هذا
الرجل يعد إنجازاً تاريخياً يدل على بعد نظر قائد عظيم بالفعل
وإلا لكان وضع سيناء وحتى قناة السويس أسوأ كثيراً من وضع هضبة الجولان التي
تحولت إلى فرق حسابات بين الإسرائيليين وبين هذا النظام الذي هناك أكثر من دليل
على أنه قد تخلى عنها لقاء دعم إسرائيل له وإعتبار أن وجوده ضروري لحماية ما أعتبرته،
بعد قرار ضمها، حدودها الشمالية.
لم يترك العرب العاربة والمستعربة شتيمة ولا إتهاماً بالخيانة إلا وألصقوهما بالسادات حياًّ
وميتاً رحمه االله الرحمة الواسعة، لأنه أدرك مبكراً أن الأوضاع العربية ذاهبة إلى الإنهيار وأن
أمورهم ستصل إلى هذه الحالة المأساوية التي وصلت إليها وأنه لا بد من إستغلال لحظة
تاريخية ثبت أنها لم تتكرر حتى الآن رغم مرور كل هذه السنوات الطويلة وكل هذا وقد
دفع حياته ثمناً لإنجاز تاريخي حققه لمصر وللشعب المصري والمفترض أيضا للعرب والأمة
العربية وإستعادة كل ذرة تراب أو رمل من سيناء وحتى قناة السويس ويقيناً أنه لو جرت
مراجعة منصفة لأحداث هذا التاريخ، الذي أصبح بعيداً، لثبت أنَّ الإسرائيليين الأكثر تطرفاً
كانوا وراء الذين إرتكبوا جريمة الإغتيال هذه حتى وإنْ كانت قد تبنتها جهات إعتبرت
نفسها إسلامية.
كانت قراءة السادات للأوضاع العربية الراهنة في ذلك الحين وأيضاً المستقبلية، حتى
أقدم على خطوة كامب ديفيد وأستعاد سيناء كلها حتى قناة السويس، قراءة واقعية
بعيدة عن أحلام اليقظة وهز القبضات المترهلة في الهواء ولعل ما يدل على حالة البؤس
التي كان يعيشها العرب ولازالوا أن بغداد التي إحتضنت قمة الرد على كامب ديفيد قد
شهدت كل هذا الذي شهدته منذ ذلك الحين وحتى الآن وها هي وللأسف أصبحت ميداناً
للتناحرات الطائفية والمذهبية وأصبح يحكمها وهي عاصمة الرشيد الجنرال الإيراني
قاسم سليماني وأتباع حراس الثورة الإيرانية.. وذلك بينما عاصمة الأمويين أسوأ حالاً من
عاصمة العباسيين.
وهنا علينا أن نسأل أنفسنا السؤال الذي كان علينا أن نسأله قبل أربعين عاماً وهو: ماذا
يا ترى لو أن السادات لم يتحل بالشجاعة التي تحلى بها ولو أنه خضع لمزايدات المزايدين
وأستجاب لما توجهت به إليه قمة بغداد غير العتيدة.. ماذا من الممكن أن يحصل.. وما
هي عليه أوضاع مصر الآن؟!.
والجواب هو: لبقيت قناة السويس شريان مصر الحيوي مغلقة على مدى كل هذه
السنوات الطويلة ولكانت خسارة أرض الكنانة فادحة وبمئات مليارات الدولارات ولكانت
سيناء ليس لا تزال محتلة وفقط وإنما مطرزة بالمستوطنات الإسرائيلية وعلى غرار ما هو
عليه وضع الضفة الغربية وما هو عليه وضع هضبة الجولان.. وأيضا وفوق هذا كله لكانت
الأوضاع الإقتصادية المصرية متردية بالفعل وعلى إعتبار أنها أوضاع إقتصادية عسكرية
وحربية.
وهكذا فإنها شجاعة ما بعدها شجاعة أن يقدم السادات، رحمه االله، على تلك الخطوة
التاريخية الهامة وفي اللحظة المناسبة وحيث كانت قراءته لواقع تلك الفترة قراءة صحيحة
بينما قراءته للمستقبل الذي نعيشه الآن تدل على بعد نظر وعلى واقعية قائد ملهم
بالفعل ومع الأخذ بعين الإعتبار ودائماً وأبداً أن كل محاولات عزل مصر إستناداً إلى قرارات
قمة بغداد البائسة قد باءت بالفشل بما في ذلك نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة
إلى تونس وكل هذا وقد بقي الشعب المصري العظيم في قلب أمته العربية بل أنه بعد
إستعادة سيناء وقناة السويس قد إزداد إحتضاناً لقضايا العرب الرئيسية وفي مقدمتها
قضية فلسطين التي لا أهم منها قضية.