في ظل ما تعارف عليه أبناء الوطن من تسامح وتآخٍ ومحبة وإيثار، هي صفات جليلة شبّ
عليها الأردنيون، أصبحت تتراجع شيئاً فشيئاً، وخرج من بين ظهرانينا من يتحدى القانون،
ويثير الرعب أمام الناس، دون أن يحسبوا حساباً للقانون والعقوبة والسمعة.
إذا كانت البلطجة والزعرنة ظاهرة فتلك مصيبة، وإذا كان هؤلاء الزمرة الذين يعيثون
فساداً بالمجتمع لا تردعهم العقوبة ولا يرهبهم السجن فالمصيبة أعظم؛ نحن بحاجة إلى
وقفة مراجعة على الصعيد الرسمي والمجتمعي، لوضع حد لمن يتربص بنا وينغص علينا
حياتنا ويبتز أموالنا بالباطل، وعلاوة على ذلك قد يهددنا بالموت.
نحن نثق بأجهزتنا الأمنية التي تمارس دورها على أكمل وجه، وتلاحق المجرمين وأرباب
الأسبيقيات الجرمية، لكن البعض يتحايل، أو لا يُمكّنها من قبضتها، أو يستهين، وهو أمر
خطير، وينذر بتفشي الفساد بالمجتمع، وتهديد وترويع حياة المدنيين.
ماذا يمكن أن نصف موقف السائق الذي اعتلى مركبة خاصة بعد أن أغلق شارع رئيس
بكل صلف وأخذ يحطم بها بواسطة أداة حديدية ويعتدي على سائقها ومن معه، دون أن
يرف له جفن وسط جمع من المواطنين ومن ضمنهم ركاب حافلته الذين أصابهم الذهول
والخوف؛ هذا التصرف المشين يشي بأن زمن القوة والبطش يتزايد ، مهما كانت العواقب.
لدرجة أن المشهد يحبس الأنفاس، ذلك أن السلوك الخارج عن القانون تماما للسائق، كاد
أن يودي بحياة نفس بريئة بغير حق، لمجرد خطأ بسيط ربما ارتكبه بقصد أو بغير قصد،
ومن تابع المشهد يرى بأن الجريمة التي قرّر السائق المتهور إرتكابها بحق شخص لا يعرفه
أصلاً، وليس له معه خصومة، لا يمكن المرور عنها مرور الكرام، ويجب إحالة المتسبب
للقضاء لينال عقابه العادل.
قد تكون الكاميرات التي توثق مثل هذه الجرائم، سبباً في كشف هوية مرتكبيها، وهو
أمر جيد، لكن الجرائم المماثلة التي ترتكب بعيداً عن العدسات، ربما يتملص المجرم من
العقاب ليعود مرة أخرى بفعلة أبشع.
لا ننكر بأن الزعران والبلطجية الذين يحملون أسلحتهم البيضاء والنارية أحياناً والقناوي،
يشكلون خطراً يهدد أمن المجتمعات، ولا بد من تغليظ العقوبة على هؤلاء، لأن كثيرا من
جرائمهم تندرج تحت بند المشاجرات، والتي غالباً ما يكون الجاني يخرج منها بعقوبات لا
تردعه عن تكرارها.
نثق بالإدارة الجديدة لجهاز الامن العام، ممثلة بمديره الجديد اللواء فاضل الحمود، أن تقوم
بواجباتها تجاه أمن المجتمع والحد من البلطجة والزعرنة التي تفشت في كثير من
مناطق المملكة، وتشديد الرقابة على سائقي الحافلات وسيارات الأجرة، وعدم السماح
لأصحاب القيود الأمنية ممارسة قيادة وسائط النقل العام بدون تحري عن سلوكهم، ذلك
بأنهم يمثلون واجهة المجتمع وهم ينقلون الصورة الحضارية له.
نحن أمام مشلكة لا يمكن التغاضي عنها بأي شكل من الأشكال، ولا بد من وضع خطط
أمنية وإصلاحية وتوعوية، لردع هؤلاء وكبح جماح جرائمهم، وبخاصّة الذي يفرضون الأتاوات
على أصحاب المحال التجارية بقوة السلاح، ومنهم من تجرأ لتنفيذ سطو مسلح على
البنوك وبعض المؤسسات الرسمية بأعصاب باردة، ما يثير القلق والخوف لدى أفراد
المجتمع.. نأمل أن لا نصل إلى حد الظاهرة، وأن يتم معالجة المسألة بحزم وإصر.