سرَت في الأردن في تشرين الثاني عام 1992 إشاعةٌ لعينة بشعة، تُظْهِر الملك الحسين، ملك الذوق والتواضع والرحمة، ملكا قاسيَ القلب والفؤاد. في محاولة لتهشيم صورته التي له في القلوب ومحاولة الحط من قدره السامق العالي في العالم كله.
خرقت الاشاعة البلد وخزقت كل الاذان، في سرعة مذهلة، كشفت عن انها شغل أجهزة وتنظيمات ومجموعات محترفين. وانها ليست شغل هواة او اغرار.
واذكر في أيلول عام 1991 قصة غريبة كنت شاهدا عليها.
كنت منهمكا في حوار صباحي مهني سياسي في نقابة الصحافيين، على الدوار الثالث، عندما دخل احدهم الى النقابة وقال ان تغييرا كبيرا على مستوى العرش سيحدث في الأردن، وصرح ان استبدالا سيتم قريبا.
عصر اليوم نفسه، كنت في رابطة الكتاب الأردنيين في جبل اللويبدة، عندما دخل شخص آخر وكرر المفردات التي القاها علينا صديقه في نقابة الصحافيين صباحا.
ليلا اتصل بي احد الأصدقاء في صحيفة الشعب الواقعة على شارع الملكة رانيا التي كنت اعمل فيها، ليبلغني ان شخصا التقى معه في مجمع النقابات المهنية ابلغه عن التغيير الخطير الذي سيحصل قريبا.
كان الأشخاص الثلاثة من تجمّع واحد، كنا نُصَنِّفه بأنه تجمع مشبوه. ولم تكن «حركاتهم» صدفة.
اعود للاشاعة الحقيرة التي كان الهدف من اطلاقها الحط من قدرالملك الجليل، الذي كان يتأهب للعودة الى الاردن سالما معافى، من رحلة العلاج الأولى في تشرين الثاني 1992.
جاء في الاشاعة ان الملكة الوالدة زين الشرف قد انتقلت الى الرفيق الأعلى. وان الملك الحسين اتصل من لندن وأمر بكتمان خبر الوفاة، وبوضع الجثمان في الثلاجة الى حين عودته الى عمان، كي لا تفسد مراسم احتفالات الشعب بعودته معافى.
كانت الاشاعة تقول ان الملك الحسين يعتبر الاحتفالات بعودته اهم من مواراة والدته الثرى. وانه ليس في قلبه ذرة بنوة ولا أدنى رأفة ورحمة، لا بل ان قلبه كحجر الصوان قساوة وغلظة.
كنت «مدير الاعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي» وكان عليّ ان أعد نفيا لتلك الاشاعة. كنت بين ان اكتب نفيا مباشرا او ان اطلب من احدى الجمعيات الخيرية التي تعنى بالايتام، زيارة الملكة الوالدة في قصر زهران حيث تقيم، وبث الخبر في التلفزيون للبرهنة على ان الملكة الوالدة بخير وبصحة وعافية.
أرسلت الاقتراحين الى الملك في لندن طالبا الرأي والتوجيه. فجاءني الرد سريعا وواضحا وحاسما: لا تنفِ.
كانت الملكة الوالدة بخير لكن إشاعة رحيلها لا بد انها وصلتها، ولا بد انها تؤثر عليها.
كنت على اعلى درجات التوتر والحيرة. الى ان وصل الملك العظيم الى مطار ماركا المدني حيث كنا في استقباله. وما ان سجد على ارض المطار شكرا لله، حتى أمر الموكب الملكي بالتوجه الى قصر زهران.
هناك قبّل الملك يدي الملكة الوالدة. والتقط حنا فراج الصورة الخالدة التي يقبّل فيها الملك الحسين يدي الملكة الوالدة التي كانت في استقباله واقفة على مدخل قصر زهران.
نفى الملك الاشاعة اللعينة الحقيرة وحصلنا على الصورة الاجمل التي تمثل ذروة تبجيل الابناء للامهات.
قِصة تجرُّ قِصة
أخبار البلد -